كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأين هذا من هذا؟
سارت مشرقة وسرت مغربا ** شتان بين مشرق ومغرب

التنبيه الثاني:
اعلم أن الأئمة الأربعة رحمهم الله. متفقون على منع تقليدهم. التقليد الأعمى الذي يتعصب له من يدعون أنهم أتباعهم.
ولوكانوا أتباعهم حقًا لما خالفوهم في تقليدهم الذي منعوا منه ونهوا عنه.
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه:
أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن. قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن أحمد القاضي المالكي. قال حدثنا موسى بن إسحاق. قال حدثنا إبراهيم بن المنذر. قال حدثنا معن بن عيسى. قال سمعت مالك بن أنس يقول: إنما أنا بشر أخطىء وأصيب. فانظروا في رأيي. فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به. وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه. اه. محل الغرض منه بلفظه.
فمالك رحمه الله مع علمه وجلالته وفضله يعترف بالخطأ وينهى عن القول بما خالف الوحي من رأيه.
فمن كان مالكيًا فليمتثل قول مالك ولا يخالفه بلا مستند.
وقال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه أيضًا:
أخبرني أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي حدثني أبي حدثنا محمد بن عمر بن لبابة قال: حدثنا مالك بن علي القرشي. قال أنبأنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال:
دخلت على مالك فوجدته باكيًا فسلمت عيله فرد علي ثم سكت عني يبكي. فقلت له:
يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال لي يا ابن قعنب إنا لله على ما فرط مني. ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط. ولم يكن فرط مني ما فرط من هذا الرأي. وهذه المسأئل قد كانت لي سعة فيما سبقت إليه. اه. محل الغرض منه بلفظه.
ومن العلوم بالضرورة أن مالكًا رحمه الله لا يسره ولا يرضيه تقديم رأيه هذا الذي يسترجع ويبكي ندمًا عليه. ويتمنى لوضرب بالسياط ولم يكن صدر منه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فليتق الله وليستحي من الله من يقدم مثل هذا الرأي على الكتاب والسنة زاعمًا أنه متبع مالكًا في ذلك.
وهومخالف فيه لمالك. ومخالف فيه لله ولرسوله. ولأصحابه ولكلٍّ من يعتد به من أهل العلم.
وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين:
وقد نهى الأئمة الأبعة عن تقليدهم وذموا من أخذ أقوالهم بغير حجة.
فقال الشافعي: مثل الذي يطلب العلم بلا حجة. كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى تلدغه وهو لا يدري. ذكره البيهقي.
وقال إسماعيل بن عيسى المزني في أول مختصره: اختصرت هذا من علم الشافعي. ومن معنى قوله لأقربه على من أراده مع إعلامه نهيه عن تقليده وتقليد غيره لينظر فيه لدينه. ويحتاط فيه لنفسه إلى أن قال:
وقال أحمد بن حنبل: لا تقلدني. ولا تقلد مالكًا. ولا الثوري ولا الأوزاعي. وخذ من حيث أخذوا.
وقال: من قلة فقه الرجل أن يقلد دينه الرجال.
وقال بشر بن الوليد: قال أبويوسف: لا يحل لأحد أن يقول مقالتنا حتى يعلم من أين قلنا.
وقد صرح مالك بأن من ترك قول عمر بن الخطاب لقول إبراهيم النخعي أنه يستتاب. فكيف بمن ترك قول الله ورسوله لقول من هودون إبراهيم أو مثله اه محله الغرض منه.
ومما لا شك فيه أن الأئمة الأربعة رحمهم الله نهوا عن تقليدهم في كل ما خالف كتابًا أوسنة كما نقله عنهم أصحابهم.
كما هو مقرر في كتب الحنفية عن أبي حنيفة.
وكتب الشافعية عن الشافعي القائل: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
وكتب المالكية. والحنابلة عن مالك وأحمد رحمهم الله جميعًا.
وكذلك كان غيرهم من أفاضل العلماء يمنعون من تقليدهم فيما لم يوافق الكتاب والسنة وقد يتحفظون منه ولا يرضون.
قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه:
وذكر محمد بن حارث في أخبار سحنون بن سعيد عن سحنون. قال كان مالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سلمة ومحمد بن إبراهيم بن دينار وغيرهم يختلفون إلى ابن هرمز. فكان إذا سأله مالك وعبد العزيز أجابهما.
وإذا سأله محمد بن إبراهيم بن دينار وذو وه لم يجبهما.
فقال له:
يسألك مالك وعبد العزيز فتجيبهما. وأسألك أنا وذوي فلا تجيبا؟
فقال:
أوقع ذلك يا ابن أخي في قلبك؟
قال: نعم: فقال له:
إني قد كبرت سني ورقَّ عظمي. وأنا أخاف أن يكون خالطني في عقلي مثل الذي خالطني في بدني.
ومالك وعبد العزيز عالمان فقيهان. إذا سمعا مني حقًا قبلاه. وإذا سمعا خطأ تركاه.
وأنت وذو وك ما أجبتكم به قبلتموه.
قال محمد بن حارث: هذا والله هو الدين الكامل. والعقل الراجح.
لا كمن يأتي بالهذيان. ويريد أن ينزل من القلوب منزلة القرآن. اه منه.
التنبيه الثالث:
اعلم أن المقلدين للأئمة هذا التقليد الأعمى قد دل كتاب الله. وسنة رسوله. وإجماع من يعتد به من أهل العلم. أنه لا يجوز لأحد منهم أن قول: هذا حلال وهذا حرام.
لأن الحال ما أحله الله. على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه أوسنة رسوله. والحرام ما حرمه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في كتابه. أوسنة رسوله.
ولا يجوز ألبتة للمقلد أن يزيد على قوله: هذا الحكم قاله الإمام الذي قلدته أوأفتى به.
أما دلالة القرآن على منع ذلك فقد قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} [يونس: 59] وقال تعالى: {ولاَ تَقولواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ على الله الكذب إِنَّ الذين يَفْتَرُونَ على الله الكذب لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. وقال تعالى: {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الذين يَشْهَدُونَ أَنَّ الله حَرَّمَ هذا} [الأنعام: 150] الآية.
ومعلوم أن العبرة بعموم الألفاظ. لا بخصوص الأسباب كما بيناه مرارًا. وأوضحنا أدلته من السنة الصحيحة.
ومما يوضح هذا أن المقلد الذي يقول: هذا حلال وهذا حرام من غير علم بأن الله حرمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم يقول على الله بغير علم قطعًا.
فهوداخل بلا شك في عموم قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم والبغي بِغَيْرِ الحق وَأَن تُشْرِكُواْ بالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقولواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33].
فدخوله في قوله: {وَأَن تَقولواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] كما ترى.
وهوداخل ايضًا في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بالسواء والفحشاء وَأَن تَقولواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169].
وأام اسنة. فقد قال مسلم بن الحجاج في صحيحه:
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع بن الجراح عن سفيان.
ح وحدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان قال: أملاه علينا إملاء.
ح وحدثني عبد الله بن هاشم واللفظ له حدثني عبد الرحمن يعني ابن مهدي حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال:
كان رسلوالله صلى الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرًا على جيش أوسرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرًا ثم قال: «اغزوا باسم الله. في سبيل الله. قاتلوا من كفر بالله» الحديث.
وفيه «وإذا حاصرت أهل حسن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله. ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري. أتصيب حكم الله فيهم أم لا»
هذا لفظ مسلم في صحيحه.
وفيه النهي الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم عن نسبة حكم إلى الله. حتى يعلم بأن هذا حكم الله الذي شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولأجل هذا كان أهل العلم لا يتجرؤون على القول بالتحريم والتحليل إلا بنص من كتاب الله أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عمر بن عبد البر رحمه الله في جامعه:
حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حديثنا يوسف بن عدي قال حدثنا عبيدة بن حميد عن عطاء بن السائب قال: قال الربيع بن خيثم:
إياكم أن يقول الرجل في شيء إن الله حرم هذا أونهى عنه فيقول الله: كذبت لم أحرمه ولم أنه عنه.
قال أو يقول:
إن الله أحل هذا وأمر به. فيقول: كذبت لم أحله ولم امر به.
وذكر ابن وهب وعتيق بن يعقوب أنهما سمعا مالك بن أنس يقول: لم يكن من أمر الناس ولا من مضى من سلفنا ولا أدركت أحدًا اقتدى به يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام.
ما كانوا يجترئون على ذلك.
وإنما كانوا يقولون: نكره هذا.
ونرى هذا حسنًا.
ونتقي هذا. ولا نرى هذا.
وزاد عتيق بن يعقوب. ولا يقولون حلال ولا حرام.
أما سمعت قول الله عز وجل: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّا أَنزَلَ الله لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} [يونس: 59].
الحال ما أحله الله ورسوله. والحرام ما حرمه الله ورسوله: قال أبو عمر: معنى قول مالك هذا إن ما أخذ من العلم رأيًا واستحسانًا لم نقل فيه حلال ولا حرام والله اعلم. اه. محل الغرض منه.
وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله في تفسيره. في الكلام على قوله تعالى: {ولاَ تَقولواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب هذا حَلاَلٌ وهذا حَرَامٌ} [النحل: 116] الآية. ما نصه:
أسند الدرامي أبو محمد في مسنده أخبرنا هارون عن حفص عن الأعمش قال: ما سمعت إبراهيم قط يقول: حلال ولا حرام ولكن كان يقول: كانوا يكرهون كانوا يستحبون.
وقال ابن وهب:
قال مالك: لم يكن من فتيا الناس أن يقولوا هذا حلال وهذا حرام.
ولكن يقولون: إياكم وكذا وكذا. ولم أكن لأصنع هذا.
ومعنى هذا أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل ليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان. إلا أن يكون البارئ تعالى بذلك عنه.
وما يؤدي إليه الاجتهاد في أنه حرام يقول:
إني أكره كذا.
وكذلك كان مالك يفعل اقتداء بمن تقدم من أهل الفتوى اه. محل الغرض منه.
وإذا كان مالك وإبراهيم النخعي وغيرهما من أكابر أهل العلم لا يتجرؤون أن يقولوا في شيء من مسائل الاجتهاد والرأي: هذا حلال أوحرام.
فما ظنك بغيرهم من المقلدين الذين لم يستضيئوا بشيء من نور الوحي؟
فتجرؤهم على التحيم والتحليل بلا مستند من الكتاب إنما نشأ لهم من الجهل بكتاب الله وسنة رسوله. وآثار السلف الصالح.
واية يونس المقتدمة صريحة فيما ذكرنا صراحة تغني عن كل ما سواها.
لأنه تعالى لما قال: {فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلًا} [يونس: 59] أتبع ذلك بقوله: {قُلْ ءَاللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ} [يونس: 59].
ولم يجعل واسطة بين إذنه في ذلك وبين الأفتراء عليه.
فمن كان عنده إذن من الله بتحريم هذا أوتحليله فليعتمد على إذن الله في ذلك.
ومن لم يكن عنده إذن من الله في ذلك فليحذر من الافتراء على الله.
إذ لـ: واسطة بن الأمرين.
ومعلوم أن العبرة بعموم لفظ الآية لا بخصوص سببها.
فالذين يقولون من الجهلة المقلدين: هذا حلال وهذا حرام. وهذا حكم الله. ظنًا منهم أن أقوال الإمام الذي قلدوه تقوم مقام الكتاب والسنة وتغني عنهما.
وأنّ ترك الكتاب والسنة والاكتفاء بأقوال من قلدوه أسلم لدينه أعمتهم ظلمات الجهل المتراكمة عن الحقائق حتى صاروا يقولون هذا.
فهم كما ترى. مع أن الإمام الذي قلدوه. ما كان يتجرأ على مثل الذي تجرؤوا عليه. لأن علمه يمنعه من ذلك.
والله جل وعلا يقول: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولوالألباب} [الزمر: 9].
التنبيه الرابع:
اعلم أن مما لابد منه معرفة. الفرق بين الاتباع والتقليد. وأن محل الاتباع لا يجوز التقليد فيه بحال.
وإيضاح ذلك. أن كل حكم ظهر دليله من كتاب الله. أوسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. اوغجماع المسلمين. لا يجوز فيه التقليد بحال.